فلاتر الموت تفضح "الصحة"
بقلم :صلاح الحفناوي
alhefnawi@yahoo.com
alhefnawi@hotmail.com
هل
تذكرون فضيحة أكياس الدم الملوثة؟.. حدثت هذه الفضيحة في العهد البائد..
فلما لا يكون للعهد السائد فضائحه التي تزكم الأنوف و"تكشف المكشوف"؟
بعد
فضيحة الأكياس الملوثة تطل علينا فضيحة جديدة هي فضيحة الفلاتر غير
الصالحة للاستخدام والتي تحدث لفترة طويلة كل احتجاجات واعتراضات الأطباء
المعنيين.. هي قصة تؤكد ان الخدمات الصحية العامة لاتزال هي الجرح الغائر
الذي لا يندمل في جسد الوطن.
وقبل أن نطالع التفاصيل مدعمة
بالمستندات التي نحتفظ بها لمن يهمه الأمر ان كان هناك أصلا من يهمه أي
أمر متصل بحياة المصري البسيط صاحب الصوت الواهن الخافت والذي لا يعرف
طريق الفضائيات ولا يجد متسعا من الوقت أو فائضا من الصحة للمشاركة في
المليونيات والاعتصامات نقول ان الفلاتر بطلة الفضيحة الجديدة هي تلك التي
تستخدم في عملية الغسيل الدموي أو الاستصفاء الدموي لمرضي الفشل الكلوي
وهي العملية التي تتوقف عليها حياتهم.
باختصار وقبل الدخول في
التفاصيل فوجيء أطباء وحدات علاج الفشل الكلوي في عدد من مستشفيات
الدقهلية بتوريد فلاتر معيبة لاستخدامها في أجهزة الكلي الصناعية لعلاج
المرضي وعندما حذروا من خطورة استخدامها وكشفوا ان هذا النوع من الفلاتر
غير مدرج في قوائم وزارة الصحة وانه أقل كفاءة وبه الكثير من العيوب
فوجئوا بمن كانت تقوم بمهام مسئول الكلي في المديرية الصحية تثور عليهم
مؤكدة ان هذا هو "الموجود واللي مش عاجبه يجيب فلاتر من جيبه.. وهي هنا
تتحدث بمنطق من يدير عزبة خاصة.. أما لماذا الاصرار علي فلاتر فاسدة
ولماذا التحايل علي كل محاولة لاستبعادها فهي تساؤلات يمكن أن نستنتج
الإجابات عليها استرشادا بعشرات المواقف المماثلة طوال أكثر من ثلاثة
عقود.
قبل أسابيع طلب الدكتور أسامة ابراهيم الشحات أخصائي الباطنة
العامة والكلي في مستشفي المنصورة العام الجديد مقابلتي لأمر هام يتعلق
بصحة وحياة قطاع كبير من المرضي وعلمت منه انه وعدد كبير من الأطباء في
نفس التخصص استنفدوا كل وسائل الشكوي وتعرضوا لكل أشكال التجاهل وربما
السخرية من كل المسئولين الذين لجأوا إليهم.
يقول الدكتور أسامة:
البداية كانت تصرفا مثيرا للشبهات ويفتقر إلي الأخلاقيات المهنية قامت به
مسئولة الكلي بمديرية الصحة بالدقهلية فقد حضرت إلي وحدة الغسيل الكلوي
بمستشفي المنصورة العام الجديد دخلت مباشرة إلي عنبر المرضي دون المرور
علي أطباء الوحدة ولو لمجرد السلام وبدأت في تركيب فلاتر جديدة من نوع
يطلق عليه "إف 8" علي ماكينات الغسيل لخمسة مرضي بدلا من النوع المستخدم
"إف 6" دون التشاور أو حتي إخطار أطباء الوحدة.
تكرر المشهد من نفس
المسئولة في مستشفي الكلي والمسالك البولية بميت غمر ونطالع بعض التفاصيل
من نص الشكوي والمقدمة لوكيل بالدقهلية بتوقيع الدكتورة إيمان رئيسة قسم
الكلي بالمستشفي جاء فيها ان الدكتورة عبير فاروق مسئول الكلي بالمديرية
أرسلت 30 فلتراً من نوع "إف 8" لاستخدامها للمرضي وعندما اتصلت بها
لتخبرها بعدم صلاحية هذه الفلاتر إجابتها "مافيش غير الفلاتر دي وشوفي
هتجيبي فلاتر منين".
اضطر أطباء مستشفي الكلي في ميت غمر إلي
الاستسلام للأمر الواقع بعد أن فشلوا حتي في العثور علي من يحترم شكواهم
أو يستمع إليها ويتخذ إجراء بشأنها فمسئول الكلي بالمديرية أقوي من
المساءلة والفلاتر الفاسدة باقية مهما كانت خطورتها علي المرضي ومن لا
يعجبه يخبط دماغه في الحائط.
بعد استخدام الفلاتر الثلاثين علي
المرضي المساكين تم اعداد تقرير حول مشاكل استخدام هذا النوع من الفلاتر
وتم رفعه الي الاستاذ الدكتور استشاري الكلي بالمديرية بتاريخ 6 مارس
الماضي. جاء فيه ان 9 فلاتر كان الشعر بها كثيف و7 فلاتر بها الشعر خفيف
"وهي عيوب صناعية يعرفها الأطباء المتخصصون" واحد الفلاتر حدثت به جلطة
وتم تغييره ونفس الشيء حدث في فلترين آخرين حيث ظهرت فيهما جلطات وتم
انهاء جلسة الغسيل الكلوي قبل موعدها و4 فلاتر حدثت فيها جلطة قبل نهاية
الجلسة.. وانتهي التقرير إلي ضرورة وقف استخدام أو الحصول علي فلاتر من
تشغيله أخري.
وتقرير ثالث من وحدة الكلي من مستشفي المنصورة العام
إلي وكيل وزارة الصحة بالدقهلية بتاريخ 18 مارس الماضي موقع من الدكتور
عادل الجنايني رئيس الوحدة والدكتورة مني نبيل اخصائي الكلي والدكتور علي
لطفي اخصائي الكلي والسيدة زينب عبدالبصير رئيسة التمريض والآنسة شيرين
طاهر اخصائية التمريض يؤكد مجددا عدم صلاحية الفلاتر الجديدة وظهور تجلطات
فيها مما يؤثر علي كفاءة الغسيل.
اضطر الأطباء ومسئولو المستشفيات
المعنية إلي اللجوء إلي محافظ الدقهلية ووزير الصحة ووكيل الوزارة
بالدقهلية عبر شكوي جامعة ضمت جميع الشكاوي السابقة.. وكان السؤال الحائر
هو ما سر الإصرار الغريب علي استخدام فلاتر غير صالحة في علاج مرضي الفشل
الكلوي؟.. ونحن نضيف كيف تم التعاقد علي هذه الفلاتر ولماذا لم تحرك وزارة
الصحة ساكنا وكأن حياة مرضي الفشل الكلوي وصحتهم لا تعنيها وماذا فعلت
جهات الاختصاص في حكومة ما بعد الثورة للتصدي لهذا النوع من العبث بحياة
الناس؟.. لقد سحبت مديرة الصحة في الدقهلية الفلاتر المعيبة من مخازنها
ولكنها لم تسحب الفلاتر التي تم تزويد المستشفيات بها ليستمر استخدامها
رغم مشاكلها ومخاطر استخدامها المحتملة. ويلخص الدكتور أسامة الشحات
وزملاؤه الأطباء في مديرية الصحة بالدقهلية ما حدث في الشكوي التي رفعوها
للوزير والمحافظ والوكيل عندما أشاروا إلي أن رد فعل مديرية الصحة علي
شكاواهم وتحذيراتهم كان هو المماطلة في اتخاذ قرار يتعلق بحياة وسلامة
مرضي الفشل الكلوي يتطلب كل ذلك الوقت؟.. هل هناك إجابة يا مسئولي الصحة..
مبدئيا لا أظن.. فما أشبه الليلة بالبارحة.