هي عبارة عن قصة قصيرة
(صباح الخير يا زهرتي الجميلة...)
ارتسمت اعذب ابتسامة في الوجود علي شفتي نجلاء وهي تهمس بتحية الصباح لتلك الزهرة الحمراء المنفردة
وسط حشد من النباتات الخضراء التي تملا شرفة منزلها والتقطت اصابعها الرقيقة رشاشة المياة الصغيرة
وامالتها للتتناثر منها قطرات الماء العذب وتروي الزهرة الجميلة التي استقبلت الماء ببتلات متفتحة ومياسم متراقصة
وكانها تنتشي بحمام الصباح وتزهز بجمالها ورونقها...
كانت زهرة من نوع خاص يندر ان ينمو ويتفتح في اصيص زرع صغير وبعد ان اعتاد ان يحتل مكانه متميزة في قلب الحدائق..
وربما كان هذا مبعث فخر نجلاء..
لقد حذرها الكثيرون وهي تبتاع بذرة الزهرة من انها لن تنمو ابدا في شرفة منزلها...
حتي والدها المهندس الزراعي ابدي تشككه في ان يحدث هذا ولكن نجلاء اصرت...
ومنذ اليوم الاول زرعت بذرتها وراحت ترويها بحبها ودلالها وعنايتها قبل حتي ان تمنحها ماء الحياة...
وانتظرت...
انتظرت بشوق يفوق عمرها سنوات عمرها العشرين وهي تراقب سطح التربة في لهفه وتواصل عنايتها ورعايتها للزهرة التي لن تعلن عن نموها بعد...
ثم كان ذللك اليوم...
كانت تنثر قطرات المطر علي التربة وعندما لاحظت النبته الخضراء الصغيرة التي برزت منها...
ولا احد يمكنه ان يصف فرحتها يومئذ...
لقد صرخت من فرط سعادتها وراحت تقفز في الشرفة وتصفق بكفيها في جذل فرح.
كما لو انها عادت طفلة في العاشرة من عمرها ولم تنتبة الي مبالغتها في اظهار انفعالها الا عندما وقع بصرها فجاة علي شريف ابن الجيران
وهو يراقبها من نافذة حجرته ويبتسم...
لحظتها ارتجف جسدها كله وجرت علي اطراف اصابعها الي حجرتها واغلقتها خلفها وتركت قلبها يخفق بكل قوته...
كيف نسيت انه هناك؟؟
كيف لم تنتبه الي انه يوم اجازتة الاسبوعية فافرطت في فرحتها وتركت صوتها يبلغ اذنية؟
كيف نسيت انه غارق في حبها مثلما هي غارقة في حبه؟؟؟
صحيح انهما لم يلتقيا قط ولم يفصح احدهما للاخر عن مكنون قلبه الا ان كلا منهما لا يداخلة اي شك في شعور الاخر نحوه...
يكفي ما يتبادلاه من نظرات وما يختلسانه من لحظات ليستشف كل منهما ما يحمل له الاخر...
ثم انه من السهل ان يفهم كل منهما الاخر...
انهما جاران منذ الطفولة والاسرتان تتبادلان التهنئة وعبارات المجامله في الاعياد والمناسبات وان لم تتصل تلك العلاقة قط الي الحد الذي يحدث فيه تزوار من الجانبين...
وهي تعرف اخلاق شريف جيدا...
كل من الشارع يعرف...
انه مثال للشاب الرصين المتزن المحترم الذي انهي سنوات دراسته بتفوق معقول ثم التحق بالعمل في واحدة من شركات القطاع الخاص التي قدرت كفاءته ووضعته في مكانه مناسبة
لم يكن من الممكن ان يبلغها في شركات القطاع العام قبل عشرين عاما علي الاقل...
وهي تعتقد انه يستحق هذا ...
دائما تعتقد انه يستحق كل خير...
هذا لانها تهتم به كثيرا...
او بمعني ادق تهيم به كترا...
بل ربما اختارت تلك الشرفه بالذات لتزرع فيها زهرتها حتي تجد حجة تطل بها علي حجرته في المبني المجاور...
ولقد احسنت الاختير بالفعل...
الزهرة ايضا ارتاحت للشرفة وقررت ان تتخلي عن حذرها التقليدي وان تنمو داخل ذلك الاصيص الصغير في الشرفه...
وبسرعه تحولت النبته الصغيرة الي نبات قوي برز من قمته برعم كبير ولم يلبث ان استدار وتكور واعلن عن قرب مولد زهرة جميلة...
وفي نفس اليوم الذي تقدم فيه ريف لخطبتها وقرا فيه والدها الفاتحه مع والده تفتحت الزهرة وكانها تشاركها فرحتها بزغرودة صامتة جميلة...
وكانت الفرحة فرحتين كما يقولون...
في الصباح تحقق حلمها وتفتحت زهرتها...
وفي المساء خفق قلبها وارتبطت بحبيبها شريف...
واخيرا امكنها ان تعرفه عن قرب...
ولقد غير هذا مشاعرها كثيرا...
كانت قبل هذا تحبة اما الان تعشقة...
انه اروع مما قالوه عنه...
انسان مهذب متفتح حازم عاطفي متفهم...
باختصار انه حلم جميل لكل فتاه في الدنيا...
وعلي الرغم من حبها وعشقها له لو تنس نجلاء زهرتها قط..
كانت تشعر بالفخر والسعادة لانها اول من نجحت في اقناع هذة الزهرة بان تتفتح في شرفة منزلها...
كل زميلاتها حاولن وفشلن...
كلهن بذلن غايه جهدهن لانبات زهرة مثلها ولكنهن منين بالفشل الذريع...
وهذا يزيدها زهوا...
انها تري نظرات الحسد في عيونهن وهم يشاهدن زهرتها وتسمع كلمات الحسرة التي لم ينطقن بها وهن يتاملنها المنطقه كلها اصبحت تحفظ ذلك المشهد...
مشهد نجلاء وهي تروي زهرتها في الصباح في حنان بالغ وتهمس لها بعبارات رقيقه كما لو كانت ابنتها...
الجميع صاروا يعرفون كم ترتبط بهذه الزهرة...
وكم تحبها...
حتي الزهرة نفسها بدت وكانها عرفت هذا ولاحظتة...
لقد نمت باوراق حمراء عريضة وكانها تعلن سعادتها بالتواجد في هذا المكان...
وفي حفل خطبتها لم تغادر نجلاء المنزل الا بعد ان طبعت قبلة حانيه علي ساق زهرتها الجميلة...
وعندما عادت من الحفل وهي تحمل دبلة شريف في اصبعها جلست تروي كل شي للزهرة...
حكت لها عن اناقة شريف ووسامته وحنانه الجارف ولمسته الرقيقة وهو يضع الدبله في اصبعها...
كانت تتحدث اليها كما لو كانت صديقة عزيزة شاركتها اسعد لحظات حياتها...
والعجيب ان الزهرة لم تنغلق ابدا مع لمساتها وعلي الرغم من ان هذا النوع من الزهور لا يتفتح ابد في مكان غريب....
ولا بين اصابع غريبة...
لقد نما نوع الالفه بينهما جعل كلا منهما تالف الاخري وتامن لها وتشاركها مشاعرها واسرارها...
وفي ذلك اليوم وبينما كانت تروي زهرتها جاء شريف لزيارتها فجاة...
ولم يكن يحمل تلك الابتسامه الرقيقة كعادته وانما كانت عيناه غارقتين في شي من الحزن وارتجف له قلبها وانتقلت ارتجافته الي لسانها وهي تساله عما به...
وبرقته وحنانه اخبرها ان الشركة انتدبته لمراجعه حسابات فرعها في الخليج وانه سيسافر الي هناك بعد ثلاث ساعات ولن يعود قبل ثلاثة اشهر كاملة...
وخفق قلبها وهو يهمس في اذنها بانه سيشتاق اليها كثيرا وسيتعذب لفراقها اكثر واكثر...
لم تكن تدري كيف يمكنها العيش بدونه كل هذه الفترة...
لم تدر كيف لن تراه كل صباح وهو يذهب الي عمله...
كيف ستحتمل غيابه الطويل؟؟
وسالت دموعها وهي تساله الا ينساها....
وبون ان تدري امتدت يدها تقطف الزهرة وتناوله اياها وقطرات من دموعها ترويها بمزيج من الشوق واللهفة والحب ...
والعجيب ان الزهرة لم تغلق اوراقها بين اصابعة...
لقد ظلت متفتحة تفوح برائحة الحب....
وحتي يومنا هذا...