السيد/......نتشرف بدعوة سيادتكم لحضور الندوة التي تقيمها...
لم يصدق وجدي عينيه وهو يطالع تلك الدعوة للمرة الثالثة منذ وصلت الي بريده هذا الصباح..
وكانت اول مرة في حيته يدعوه فيها احدهم الي ندوة ما ايه ندوة..
ولكن الاسم علي المظروف صحيح وكذلك العنوان لا يوجد خطا اذن انا دعوة موجه اليه بالفعل..
القي نفسه علي مقعد قريب وراح ياهث في انفعال وذهنه يستعيد الموقف مرة ثانيه وثالثة ورابعة ..
منذ تخرج من كلية الاداب وبدا رحلة البحث عن لقمة العيش وهو يحلم بان يكون كاتب شهيرا مرموقا
وعلي الرغم من عشرات المقالات التي ارسلها الي كل الصحف ومجلات مصر ومئات القصص القصيرة التي نسخ منها عده نسخ وانفق نصف راتبه علي ارسالها
الا انه لم يحظ سوي بنشر مقال واحد في صفحة الراي في جريدة محدودة...
وعلي الرغم من هذا فقد ابتاع عشر نسخ من تلك الجريدة واهداها الي امه وشقيقتة وجاره وصديقة وتمني لو استطاع ان يهدي نسخة منها الي كل زملاء العمل
الا انه اكتفي بان الصق الصفحة التي نشر فيها اسمه علي الجدار المجاور لمنزلة ليطالعها كل من ياتي اليه...
ولفترة طويله كان يشعر بالفخر...
الا انه كان المقال الوحيد ولم يحظ اخر بالفرصة نفسها قط وعلي الرغم من ان حمسه قد تضاعف وارسل بعدها الف مقال لكل الصحف والمجلات الاخري.
ومع مرور الوقت بدا يشعر بالياس والاحباط ويتخلي عن الفكرة كلها ويغرق نفسه في عملة الروتيني البائس..
ثم فجاءة وصلتة تلك الدعوة...
وانعشت الامل في صدوره مرة اخري...
انها دعوة لحضور ندوة ثقافية وهذا يعني ان المجتمع الثقافي قد اعترف به اخيرا...
شعر بنشوة عارمة مع الفكرة وطالع الدعوة للمرة الاخيرة وقرا اسم الفندق ثم نهض يختار ثيابا ملائمة للندوة...
انها ستقام في فندق خمسة نجوم وهذا يعني ان عليه ان يرتدي افضل ما لديه لذا فقد اخرج حله الافراح والمناسبات الخاصة وارسلها الي الكواء
وانتقي قميصا ناصع البياض ورباط عنق زاهي الالوان واقترض من زميله وصديق عمره ساعته الكبيرة الذهبية وحلق ذقنه
وهذب شعره واستخدم افضل عطر لديه...
كانت الايام الاخيرة من الشهر ولم يتبق معه الكثير الا انه لن يجازف بركوب حافلة عامه حتي لا يتلف زيه
لذا فقد جازف وركب سيارة من سيارات الاجرة تقاضي سائقها كل ما تبقي معه تقريبا ليوصلة امام باب الفندق مباشرة...
ولكن مظاهر الاستقبال عوضته عن كل شي ..
كانت هناك فتاه جميلة اعطته زهرة حمراء لمجرد انه يحمل دعوة رسمية وقادته الي صفوف متراصة من المقاعد واجلسته في منتصفها
ثم منحته ابتسامة عذبة وغادرته لتستقبل الاخرين...
وعلي مقعده جلس هو منتشيا يبحث عن ايه اشارة عم موضوع الندوة وعيناه تفتشان عن ايه وجوه شهيرة بين روادها
الذين راحو يتوافدون واحدا بعد الاخر...
لم يكن هناك اي وجه مالوف بين الحضور الذين تزايد عددهم حتي بلغ المائتين مما بدا يشعره بالتوتر والعصبية خاصة وان الوقت يمضي
دون ان تبدا الندوة ودون ان يعرف حتي ما هو موضوعها ..
ثم وصلت كاميرات التليفزيون ..
وعادت اليه النشوة...
المصورون انتشروا في القاعة ووضعوا الكاميرات في عده اماكن وتصور وجهة علي شاشة التلفزيون...
وانتشي اكثر واكثر وخاصة عندما ظهرت تلك المذيعة المشهورة ذات الوجة الجميل وبدت عصبية اكثر مما ينبغي وهو الذي اعتاد علي رويتها باسمه الثغر
دوما علي الشاشه..
وبسرعه ظهر كاتب شهير يعتبره مثلة الاعلي وهو في الوقت ذاته رئيس تحرير مجلة كبري ارسل اليها العديد من المقالات التي لم تنشر بعد..
وتسارعت دقات قلبة وهو يري كاتبة المفضل عن قرب وتمني لو امكنه ان يصافحه او يلتقط صورة جوارة..
وفور وصول الكاتب الشهير بدات الندوة واعلنت المذيعة الشهيرة وقد استعادت ابتسامتها العذبة
وواجهت كاميرات التليفزيون..
عندئذ فقط علم موضوع الندوة ...
وتبخرت نشوتة..
وارتجف جسده بشده...
فالندوة عن الكتاب الفاشلين الذي يرسلون مقالاتهم الي الصحف والمجلات فلا تنشر لضعف مستواها او ركاكة الاسلوب ولقد تمت دعوتة ليمثل هذه الفئة..
لهذا لم تبد الوجوه مالوفة ..
فكل الحاضرين مثله..
فاشلون...
انكمش في مقعده بشده..
وارتجفت كل خلية في جسده وهو يحاول الاختباء من الكاميرات التي تجوس خلال الوجوه طوال الوقت والكاتب الكبير يتحدث ...
ويتحدث..
ويتحدث..
ووسط حديث الكاتب الكبير وعلي الرغم من عدسات التصوير تسلل هو وسط المقاعد حتي بلغ مدخل القاعة..
وخرج..
اول ما فعله بعد ان غادر الندوة هو ان حل رباط عنقه وطواه باهمال ودسة في جيب سترته...
ثم ضحك..
ضحك من كل قلبة وهويسير علي قدمية ويداه في جيب سراويله متجها نحو موقف الحافلة العامه..
هذا كل ما تبقي له..
ان يعود..
وان ينسي..
الي الابد...